سيناريو قصة حب ميران وريان
سيناريو قصة حب ميران وريان |
لمشاهدة زهرة الثالوث الحلقة 30 مترجمة بعد قليل تنزل هنا
ميران واقِفا يتأمّلُ ريان و عيْناهُ تتلألآن فرحا و تغرقان عِشْقًا ، رفع طرْحتَها و اقترب منها ، ليهتِفَ و الشوقُ الملهوفُ داخلهُ يُنادي :
_ أُحبُّكِ
ريان : و أنا أُحبُّك جدا ميران
نظر إلى جديلتِها المُنسدلة على كتِفَها ، الغافية على تلك الرقبة مثل ظِلال الياسمين ، و بدأ بِفِكِّها
ثم لاَمَس شعْرَها بلمسةِ حنانٍ و حُب :
_ لو أعيشُ و أموتُ هُنا بين خِصْلةٍ و خِصلةٍ
قالها و هو يَشُمُّ شعرها و يلُفُ خصْرَها
ريان و هي ترتعِشُ و قلبُها يخفقُ بشدّة ،
و فجأةً انفجرتْ بِالبُكاء حين مَرَّها شريطُ ذكريات تلك الليلة و فجْرُ ذاك اليوم :
_ لا أستطيع ميران ، لا أستطيع
أُحِبُّكَ أكثر من روحي و سامحتُكَ من كُلِّ قلبي ، لكنني لا أستطيع أن أنسى
مازالتْ أشواكُ الآهِ عالقةً بِحَلْقِي و لمَساتُكَ تلك بدافع الانتقام تنخَرُ روحي قبل جسدي .
ميران بعَيْنيْنِ فاضتا بالدموع :
_ أقسِمُ أن تلك الليلة ، ليلتنا الأولى ، كانت حُبًّا أكثر منهُ انتقاما ،
كان قلبي يحترِقُ و انا أحرِقُكِ و روحي تبكي حين أهْدرتُ روحَكِ .
أنا ..
قاطعتهُ ريان بِقُبلةٍ حين أَحستْ انّها كسرتهُ دون قصد :
_ هُس حبيبي ، أنا أُحِبُّكَ و سامحتُكَ
لكن أريدُ أن تمنحني بعض الوقت .
ميران : أَعِدُكِ أنني لن ألمِسَكِ حبيبتي حتى أُداوي تلك الجروح و أُرمِمَ شُقُوقَ الكسور ،
فقط أريد طلبا بسيطا الآن :
ريان : قُلْ ، ما هو ؟
ميران : أنْ أنام بِحُضنِكِ و تُغني لي تلك التهويدة التي غنَّيْتِها لِجول ،
تمدَّدَا على السرير و هو يَضعُ رأسَهُ على صدرِها و يحْضُنُها ، و هي تُداعِبُ شَعْرهُ بِحُبٍ و حنان
ثم بدأت الغناء بصوتِها الجميل ، الدافىء ذاك .
ميران و هو مثل الطفل بِقُربِها و الدموع تَحْفُرُ وَجْنَتَيْهِ :
_ أتذكُرين حين سألتِني عن طفولتي وقتها و أنا لم أُجِبْكِ
ريان : أجل ، أذكر
ميران : أريد الحديث الآن ، أُريدُ اخباركِ بكُلِّ شيء
كُنتُ طِفلا في الخامسة من عُمري ، لم أستوعِبْ الحياة بعدْ كيْ أستوعِبَ الموت ،
كُنتُ أظُنُّ أن الآباء لا يرحلون و لا يتركون أطفالهم ،
في يوم من الأيام استيقضتُ على صُراخ جدّتي ، نزلتُ مُسرعا لِبَهوِ القصر فرأيتُ أبي و أمي
جسدان مُمددان ، كُنتُ أعتقدُ أنهُما نائمان ، إلى انْ صرختْ جدّتي قائلةً :
_ مات أبوك ، ماتت أمُّكَ ، قتلوهُما
قالت هذا لطفلٍ في الخامسة من عُمْرِهِ
مشهدُ الوداعِ لازالَ ماثِلاً أمامي وجوهٌ كثيرة تُحيطُ بِهِما ، بُكاءٌ و صُراخ و التراتيلُ تغشى الأرواح
اقتربتُ من أُمِّي و هي ساكنةٌ مُغمضةُ العينينِ هادئة
كأنها عروسٌ ، بُكائي كان صامتًا ، يغْتَرِفُ ما في صدري من ألمٍ ،
كُنتُ أخشى أن أجْرَحها بصوتِي أو أُزعِجَ نومَها
اقتربتُ منها ، همستُ دونَ همسٍ ، خُطوتينِ وعانقتها:
_ أُمي حتى في رحيلكِ ، دافئة ، مُسالمة ، مُحِبّة .
لم أجرءُ على البكاء في حضرتِها ، مددتُ يدي لمستُ وجهها ،كأنّي أحفظ ملامحها بذاكرتي الصغيرة تِلكَ
حتى إذا ما اشتقْتُها ، استحضرتُ طيفها و حضيتُ بِعناق .
بِصوتٍ يرتجِفُ وجعًا تتخلَّلُهُ بحَّةُ الدموع كان يحكي فقده في ذلك اليوم
ريان و قد صمتت عن الغناء و عانَقَتهُ بشدّة :
_ حبيبي لا تبكي أنا هُنا ، أنا هُنا بعد الآن ، أنا حُضْنُ الزوجة و الأم و الأمان ،
ميران : أكملي تلك الأغنية حبيبتي لا تتوقفي
نِمْتُ مُدّة سبعةٍ و عشرين سنة على معزوفة جدّتي القاسية :
اغتصبوا أمّكَ ، قتلوا والدكَ المُدافِع عن شرفه ، رموا والدتك جُثَّةً و قد لوّثوها ..
ريان : هُس حبيبي ، سيمضي ، سيمضى كل هذا الألم و نُداوي بعضنا ، بالحُب ، بهذا الحُبِّ الكبير .
غفى ميران مثل الطفل في حُضنِها و ريان تُغني لَهُ دون انقطاع ، تُداعبُ شعرهُ و تتأملُ ملامِحهُ ،
نام كما لم ينم قبْلاً ، مُنذ عِقديْن من الزمن و نامت ريان و هي تُلامِسُ روحَهُ بِدِفئِها ، بِصوتِها ، بِحُبِّها و تُداوي جُرُوحَهُ .
غفى الحُزنُ ليلتها و لم يستيقض معَهُما في الصباح غيرَ الفرح و الأمل بغدٍ جديد جميل .
* في قصر شاد أوغلو كان الصباحُ عاصِفًا ، مُختلِفًا يشهد انشقاق الأسرة الكبيرة و تبعثُرها
هزار يحْمِلُ الحقائب و نازِلاً من الدرج رِفقة عائلتَهِ ،
زهرة : انتظرني دقيقة سيد هزار أُريد توديع مليكة و نيغار و إليف
هزار : حسنا أنا أمام الباب ، لا تتأخروا
دخلت زهرة لِغُرفة إليف في الأول فوجدتها تبكي و تحمِلُ صورةً في يدها
زهرة : إليف صغيرتي نحن ذاهبون الآن
إليف بنبرةِ صوتٍ حزينة :
_ بالأمس ريان و اليوم أنتِ و جول و عمّي هزار
بقيتُ وحدي مُجددا مع صورة أبي و أمي
زهرة : لا تقولي هذا ، أزاد شخصٌ نبيلٌ جدا و طيب
لن تُحِسّي بالغُربة في كَنَفِهِ
ثم مسحتْ الدموع من خدِّ إليف و ابتسمت لها قائلةً :
_ هل تُعرِفِينَنِي على والديْكِ ؟
إليف : طبعا ، طبعا و أعطتها تلك الصورة
زهرة و قد تَسَّمَرتْ بِمكانِها و شَحَبَ وجهُها
ثم مسحتْ الدموع من خدِّ إليف و ابتسمت لها قائلةً :
_ هل تُعرِفِينَنِي على والديْكِ ؟
إليف : طبعا ، طبعا و أعطتها تلك الصورة
زهرة و قد تَسَّمَرتْ بِمكانِها و شَحَبَ وجهُها ،
اِنْعقَد لِسانُها و تجمدتْ الدِماء في عُروقِها ، يداها ترتجفان حاملةً صورة والد و والدة إليف و عقلُها إرْتَجَّ حينما رجع بالذاكرة لأكثر من واحد و عشرين سنة ؛
يا الله هل يُعقل أن يكون هذا الحيوان هو نفسه !
والد إليف و ابن عزيزة ، هو نفسه من ..
حديثٌ و حريقٌ داخليٌّ بينها و بين نفسِها إلى أنْ قاطعها صُراخ نيغار :
_ سيدة زهرة إلحقي ، السيد هزار و السيد نصوح يتجادلان بشِدّة أمام الباب .
* صباحٌ كالعِطرِ الغافي بِدَلالٍ على صدْرِها ، يُعانِقُ أنفاسَها ، يُغازِلُ إحساسَها ، يُرافِقُ شَدْوَ آهاتها
شوقاً لعينيْها ،
صباحٌ كالنسيم يداعبُ أهدابها ، ينتظِرُ انبلاج جُفونِها كي يُشْرِقَ ،
صباحٌ بين أحضانِها يغزوهُ كَوطنٍ ، يتسلَلُ نبْضُها لِقلبِهِ كَمُحتلٍ ، يفقِدُ أمامهُ شهِيَّةَ المُقاومة .
استيقضَ قبْلَها و هو يداعِبُ وجنتيْها و يُمرِرُ أصابِعَهُ على شفتيْها و يتأملُها بِحُبٍ :
_ يا الله ، هل يُعقل ان يكون المرْءُ جميلا بقدر الزُهور ناعِما كقطرات الندى !
جسدٌ بملامح طفلة و قلبِ أُمٍ و روحِ ملاكٍ
يا رب هذا الصباح و كُلِّ الصباحات معها ، لا تحرمني مِنها ما حَيِيت .
ريان بِعُيونٍ ناعسة و قد فاق بريقُ الحُبِّ فيهما ضياء الشمس :
_ صباح الخير
ميران : صباح التُوت لتلك الشفاه ، صباح الكرز لذلك الأنف ، صباح الرُّمان لتلك الخدود ، صباح الزنبق لذلك القلب الجميل .
قالها و هو يلمسُ كُلَّ ملامِحِها و يضعُ يدَهُ على قلبِها ،
تبعثرتْ ريان خجلا و قامت من السرير
أمسكها ميران من يدِها و سحبها إليهِ مُجددا :
_ مازال الوقتُ مُبكِرا تعالي لِنَنَامَ قليلا بعد ،
ريان : أيُّها الكسول ، أَلَمْ تَقُلْ أنَّ طائِرَتَنا لِإسطنبول في الظُهر
ميران : أجل ، لدينا وقتٌ كافٍ لنفطر و نتجهز و نلحق لا تقلقي عزيزتي
ريان : لا تضحك عليَّ ، لكنني خائفة جدا لم يسبَقْ انْ رَكِبْتُ طائِرةً في حياتي
ميران : الأمر بسيطٌ جدا ، هكذا
ثم قام و حملَها و لفَّ بها لفةً بعْدَ لفةٍ ، يدُور يدُور دونما توقف.
ريان و هي تضحك : مجنون أنزلني
ميران : أرأيتِ ، الأمرُ بهذا القدر من البساطة حبيبتي ، و أيضًا كيف تخافينَ و أنا معكِ ؟
ريان : قلبي يطيرُ إليكَ كُلَّ ثانية ، أُرافِقُكَ إلى المجهولِ حتى
ميران بِعُيونٍ عاشقة و نبضاتِ قلبٍ مُضطربة ،
ضمّها إلى صدرهِ و قال لها :
_ سآخُذُكِ للجنَّة التي جعلتِنِي أراها في تلك العيون
سأجعلُ هذا القلب الجميل يرقُصُ فرحًا فقط .
* خرجتْ زهرة مُسرِعةً في اتجاه الباب و لم يسمحوا لها حتى أن تُلمْلِمَ شتات عقلِها المنثور فوق تلك الصورة و زُجاج قلبِها المكسور مع تلك الذكرى الأليمة.
كان نَصوح يصرُخُ في وجه هزار قائلا :
_ مُستحيل أن ترحل من هذا القصر ، على جُثتي .
هزار : كفاك أبي ، كفاك
انتهى زمن تسلُطِكَ و ظُلْمِكَ لي و لِعائلتي ،
كِدْتُ أن أخسر روحي مع ابنتي بسببِكَ .
نصوح : أنا إلتزمتُ الصمتَ طيلة العشرين سنةٍ الماضية و لم أخْبِرْها بشيء و فوقها منَحْتُ اسمي لاِبنة زهرة تلك .
لستُ أنا من فضح ذاك السِّر .
هزار : ضرَبْتَهُ بِوجهي طيلة تلك السنين و احْتقرتني و أسأتَ مُعاملة صغيرتي و زوجتي
كُنتُ ضعيفا دائما أمامك ، كُنتُ تحت أمرِكَ دائِمًا
هدَّدْتَني إلى أنْ سمعتك يارين ، يارين مُدللتُك
و فجرتْ كل شيء .
أما الآن لا مكان لي بينكم ، سآخُذُ عائلتي بعيدا عن هُنا و أعيشُ بِسلامٍ .
جيهان و هو مسرورٌ جدا مِمَّا يحدثُ ، رسمَ على وجهِهِ ملامِحَ الحَزين ، المُتَأثِّر ثم قال :
_ أخي أرجوك فكِّر في قرارك مُجددا ، نحن أيضا عائِلتُكَ و نحتاج اليك .
هزار : زهرة ، جول هيّا اسْرِعا و اركبا السيارة
إلتفتَتْ زهرة لنيغار و مليكة و حضنتهُما ، ثم حضنت حنيفة أيضا ، أمَّا هاندان فرمقتها بنَظراتٍ تحكي تعبها و مُعانتِها طول تلك السنين و قالت لها :
_ أرجو ان تعيشي بسلامٍ أنتِ و ابنتُكِ الآن و تَتَنفسُوا بِراحة.
اقترب أزاد من عمّهِ و حضنهُ مُودِعا :
_ عمي العزيز ، اتصل بي دائما و طمِّنِي على وضعكم و إنْ احتجتم لشيءٍ سآتي إليكم في أي وقت .
هزار : و انت انتبه على نفسك و على إليف البريئة تلك .
جول بعينيْها البريئتيْنِ و قلبِها الصغير الجميل ، إلتفتَتْ لِجدّها و الدموع تنهمِرُ على خدِّها ثم حضنته :
_ جدِّي ، إعتني بِنفسك و انتبه على صحتك
سآتي لزيارتك لا تقلق
نصوح بكل هيْبَتِهِ و قسْوتِه ، امتلأتْ عيناهُ بالدموع و قال :
_ هذا آخرُ كلامِكَ هزار ؟
هزار : وداعا أبي .
ازاد ، إليف ، نيغار ، مليكة ، جانير ، رضا حتى حنيفة
الكُلُّ يبكي و عيونهم في اتجاه الباب إلى أنْ توارتٔ أقدامُ هزار و عائلتِهِ عن الأعين و ركبوا السيارة ثم رحلوا .
* جاء فُرات للكوخ بعد ان اتّصل به ميران ليوصلهم بالسيارة إلى المطار
فُرات على الهاتف :
_ آغا ، انا أمام الباب هل أنتما جاهزان ؟
ميران و قد فتح باب الكوخ و خرج :
_ أجل ، تعال و ساعدني بِحَمْلِ الحقائب و كَفاكَ ثرثرة على الهاتف .
فُرات و هو يضحك :
_ صباح الخير ميران ، صباح الخير زوجة أخي
ريان : صباح الخير فُرات
فُرات مُشيرا برأسِهِ إلى الحصان و العربة :
_ و ماذا عن هذا ؟
ميران مُمَازِحًا إيّاه :
_ دبِّر لنفسِكَ عروسا و تجوَّلا فيه ،
المُهم ، بعدَ أنْ تُوصِلنا أعِدْ الحِصان للإسطبل و اعتني بِهِ جيّدا في غيابي ، امَّا العربة إِنْ طردتك عزيزة يُمكِنُكَ النومُ فيها .
* مُنْذُ الصباح الباكر و عزيزة واقفةٌ في الشُرفة مثل الغُرابِ و عقْلُها ينعَقُ بِما حدث في الآونة الأخيرة :
_ آهٍ يا عزيزة ، فرطتْ مسبحتُكِ من جديد
و خرجتْ الأمورِ عن سيطرتِكِ
حنيفة تلك لم تتصل و لا تفعَلُ شيئا لجعل إليف تُغادر ذاك الجُحْر ، و ابن الأفعى ناكر المعروف تزوج و غادر ، حفيدتي في المصح كان يجب أن تكون سُلطان مكانَها و هذه الأخرى إلى متى سأتماطل و أُبقيها صامتة !
قاطعتْ تفكيرها أسماء قائلة :
_ سيدتي فُرات لم يعد منذ البارحة ، ألا تعتقدين أنَّكِ قسوتِ عليهِ قليلا ؟
عزيزة : لا تتجاوزي حدودك أسماء ، عن أي قسوة تتحدثين لولا أنّهُ حفيدي كان رأى شيئا أسوء بكثير لِكسْرِهِ كلامي و تَحَدِّيه لي
أسماء : عرفتُ أنَّكِ أخبرتي سُلطان أنَّ ابنها حيٌ يُرزق
هل تنوين اِخبارها بأكثر من هذا ؟
عزيزة : انصرفي أسماء و أحضري لي القهوة إلى غُرفتي .
غادرت أسماء غاضبةً و هي تُحدّثُ نفسها :
سكَتُّ كُلَّ تلك السنين ؛ عن الظلم ، عن الأذية ، عن جرائمك كُلَّها
ما كان يمنعني إلا ذلك الملاك الذي حملتِهِ لي ذات ليلة و وضعتِهِ بِحُضني
لن أخسرهُ الآن سيدة عزيزة ، مُطلقا ، مُطلقا .
* صعد الجميعُ إلى الطائرة و كانتْ ريان تجلسِ أمام النافذة بجانب ميران ، ضغطتْ على يدِهِ بِشِّدة و عيناها مُغْمضتان :
_ حبيبي أنا مُتوترة جدا ،
اقترب منها ميران لِيربِطَ لها الحزام على خصرِها ثم خطف من تلك الشفاه قُبلةً كي يمتص خوفها و يُهَدِىء روْعَها .
فتحت ريان عينيْها و قالت له :
_ حبيبي ماذا تفعل ؟ نحن في الطائرة
ميران : ألستِ زوجتي ؟ لا أحد لديْهِ شيءٌ عندنا ،
المُهم هل زال توتُرُكِ حبيبتي ؟
ريان : مجنون بل زاد أكثر .
ميران و هو يعْبثُ بخدودِها و ينظُرُ لها بعيونِ عاشقٍ ، غارقٍ :
_ آكُلُكِ ، آكُلُ تلك العيون الخائفة و هاتِهِ الخدود الجميلة .
أقْلعتْ الطائرة و ريان لازالت مُغمضةَ العينيْنِ و تُمْسِكُ بيد ميران ،
ميران و هو يتأمَّلُها و يُحَدِّثُ نفسهُ :
_ وقعتُ في عِشق براءتِكِ ، عفويتِكِ ، بساطتِكِ منذ أول يومٍ
سعيدٌ أنَّ أول مرّةٍ من كُلِّ شيءٍ كانت معي أنا و بجانبي دائما ،
ثم اقترب من أُذُنِها هامِسًا :
_ حبيبتي افتحي عينيْكِ المنظَرُ مُبهِرٌ من هُنا ،
فتحت ريان عينها بِبُطْءٍ و نظرتْ من خلال النافذة :
_ يا ميران ، كُلُّ شيءٍ يبدو صغيرا و جميلا من هُنا ،
انظر ميران ، انظر ، الطائرة تخترقُ السُحب و تُمُرُّ من خِلالِها ،
ميران : أجل ، أجل أنا انظُرُ الآن إلى منْ اخترقتْ قلبي و هذا بالنسبة لي أجملُ بكثير مما تريْنَهُ .
* قبل واحدٍ و عشرين سنة :
في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة ميديات ، ببيتٍ حجريٍّ صغير سقفُهُ من قش و أبوابُهُ القديمة التي تعبثُ بِها الرياح ، تحكي الفقر و الحرمان .
كان كُلَّ مساءٍ يُسْمَعُ صُراخُ أصلي و بُكاؤُها حين يعودُ زوجُها السِّكيرُ إلى البيت ،
كان يتفشَشُ من الفقر فيها و يُغطّي عجزهُ بعدمِ اِنجابِهِ لِطفلٍ منها منذ عشرةِ سنين ، بِضربِها
خُيوطُ الزمان عبثتْ بِوجهِهِ و هو ابنُ الخامسةَ و الثلاثين ، الكُحّة لا تُفارِقُهُ و العبُوس لا يُغادرُ وجهَهُ .
في أحد الأيّام عاد يتمايلُ كعادتِهِ ، يُزمجِرُ و يَسُبُ
كانت أصلي في الفناء تنتظِرُهُ و على وجهِها ملامحُ الخوف و القلق :
_ علي عُدتَ أخيرا ، أرجوك اذهب للبحث عن زهرة تأخرتْ اليوم على غير العادّة ، سيَحِلُ الظلام و لم تأتِ.
علي : اذهبي أنتِ و ابحثي عنها ليستْ ابنتي لأفعل ذلك
أصلي : أجل ليستْ ابنتكَ لكنكَ تنتظِرُ أجْرَها الزهيد من عمَلِها بِبساتين العنب كيْ تأكُلَ و تسْكَرْ .
صفعها علي بقسوةٍ ثم قال لها :
_ فلتحترقي أنتِ و هي ، تحمَّلتُكما عشرة سنين دون فائدة و كنتُما عِبْئا ثقيلا عليَّ .
أصلي : تزوجتُكَ و بحضني تلك اليتيمة و عُمرها سِتُ سنين ، ظَنًا مني أنّكَ ستكونُ سندا و عونا و أبا صالحا لها ، ماذا حدث الآن آه ؟
أُرسِلُ طفلةً لم تبلُغ السابعة عشرة بعدُ ، للعمل كيْ تُعيلنا ، لأنّكَ لا تشبعُ من الفُتاتِ الذي أتحصّلُ عليهِ من تنظيف بيوت الناس .
تبا لك ، سأخرجُ للبحث عن ابنتي
ذهبتْ أصلي بإتجاه بساتين الكرم و كان الظلامُ قد حلَّ و هي تبكي و تُنادي بأعلى صوتِها :
_ زهرة ، زهرة صغيرتي
ثم فجأةً لمحتْ شخصًا واقعا على حافة الطريق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق